سوريا- دروس التاريخ الضائعة في فوضى الحاضر ومستقبل مجهول

المؤلف: أسامة يماني10.23.2025
سوريا- دروس التاريخ الضائعة في فوضى الحاضر ومستقبل مجهول

اليوم، يكتنف المشهد حزن عميق، وبؤس دامع، وألم فظيع، يلامس أعماق كل روح إنسانية. إن الفوضى التي تعصف بالشام تبعث على الأسى. هذه الأرض، مهد الحضارات، أرض السومريين، والأكاديين، والكلدان، والكنعانيين، والآراميين، والحيثيين، والبابليين، والفرس، والإغريق، والرومان، والأنباط، والبيزنطيين، والعرب، سوريا التي شهدت بواكير الاستيطان البشري، ورسمت أولى خرائط المدن، واكتشفت الزراعة، ودجنت الحيوانات، وعرفت الأبجدية وتطورت، وشهدت اختراع (المنجل الأول والمحراث الأول). هنا، قامت أولى المدن في التاريخ، وازدهرت الممالك الأثرية الشامخة، مثل إيبلا في شمال سوريا، التي أسست إمبراطورية مترامية الأطراف، امتدت من البحر الأحمر جنوباً إلى تركيا شمالاً، وصولاً إلى الفرات شرقاً، ومملكة ماري، وغيرها من المدن العريقة مثل راميتا، والبارة، والصلخد، وتوتال، والسرمدا. سوريا، بلد تنوع الشعوب والأعراق والقوميات، موطن العرب والأكراد والأرمن والسريان.

المفجع حقاً هو أن شرقنا لا يتعظ من دروس التاريخ. سقوط بشار حافظ الأسد ليس نصراً ولا إنجازاً للثوار، فهو ساقط أصلاً قبل ما يسمى بالربيع العربي. نظام الأسد نظام فاقد الشرعية، غارق في الطائفية المقيتة، يخشى شعبه ويرتعد منه، يعيش في ظلام قهره واستبداده بأهله ووطنه، مستعيناً بالقوة الغاشمة، ومتشبثاً بالقوى الخارجية. الرعب والإرهاب وباء ينتقل إلى الجلاد نفسه. من الصعب على شرقنا استيعاب الدروس والعبر. الكثيرون يعانون من نشوة سقوط بشار، كما ابتهجوا لسقوط صدام والقذافي، وكأن الخلاص والنجاة يكمنان في زوال حكم الطغاة فحسب.

سوريا ليست دولة فقيرة الموارد، بل على العكس تماماً، هي بلد ثري بموارده الطبيعية المتنوعة، من نفط وغاز وزراعة ومياه ومعادن، وموقع جغرافي استراتيجي، وثقافة عريقة، وتراث أصيل، وموارد بشرية هائلة، هي الأهم على الإطلاق، بالإضافة إلى التعليم والمهارات، ذات التقاليد التعليمية الراسخة، التي يمكن البناء عليها لإعادة تأهيل القوى العاملة، وتزويدها بالمهارات الضرورية لسوق العمل الحديث. لكن المشكلة الحقيقية التي تواجه سوريا تكمن في العقل العربي المكبل والأسير بآلاف القيود الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، مما يجعله يعيد إنتاج الأخطاء ذاتها، ويولد القهر والاستكبار من جديد. إنها ثقافة متأصلة تؤمن بإخضاع الآخر، وتجعل مفهوم الأمن يطغى على مفهوم التعايش والتناغم السلمي. حكم الطائفة يلجأ دائماً إلى الاستعانة بالقوى الخارجية. حكم الطغيان داء يصيب الطغاة أنفسهم دون أن يشعروا، ويجعلهم خاضعين للأجندات والمصالح الخارجية، على حساب البلاد والعباد، وعلى حساب الطغاة أنفسهم الذين سيعيشون في النهاية يجترون الأسى والندم والخسران، بيد أن الثمن سيكون باهظاً وقاسياً على الجميع، القريب والبعيد.

دروس وعبر جمة يغفل عنها شرقنا منذ أفول نجمه وسطوع شمس الغرب. وجدت لزاماً عليّ التنويه عنها، لعلها تكون تذكرة لمن يعتبر ويتعظ.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة